سورة الكهف - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الكهف)


        


{وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا (34)}
{وَكَانَ لَهُ} أي للأحد المذكور وهو صاحب الجنتين {ثَمَرٌ} أنواع المال كما في القاموس. وغيره ويقال: ثمر إذا تمول، وحمله على حمل الشجر كما فعل أبو حيان. وغيره غير مناسب للنظم.
وقرأ ابن عباس. ومجاهد. وابن عامر. وحمزة. والكسائي. وابن كثير. ونافع. وقراء المدينة {ثَمَرٌ} بضم الثاء والميم، وكذا في {بِثَمَرِهِ} [الكهف: 42] الآتي وهو جمع ثمار بكسر الثاء جمع ثمر بفتحتين فهو جمع الجمع ومعناه على نحو ما تقدم أي أموال كثيرة من الذهب والفضة والحيوان وغيرها، وبذلك فسره ابن عباس. وقتادة وغيرهما، وقال مجاهد. يراد به الذهب والفضة خاصة، وقرأ الأعمش. وأبو رجاء. وأبو عمرو بضم الثاء وإسكان الميم تخفيفًا هنا وفيما بعد والمعنى على ما سمعت، وقرأ أبو رجاء في رواية {ثَمَرٌ} بالفتح والسكون.
وفي مصحف أبي وحمل على التفسير {وَءاتَيْنَاهُ خَيْرًا كَثِيرًا} {فَقَالَ لصاحبه} المؤمن، والمراد بالصاحب المعنى اللغوي فلا ينافي هذا العنوان القول بأنهما كانا أخوين خلافًا لمن وهم {وَهُوَ} أي القائل {يحاوره} أي يحاور صاحبه فالجملة في موضع الحال من القائل، والمحاورة مراجعة الكلام من حار إذا رجع أي يراجعه الكلام في إنكاره البعث وإشراكه بالله تعالى، وجوز أن تكون الجملة حالًا من صاحبه فضمير {هُوَ} عائد عليه وضمير صاحبه عائد على القائل أي والصاحب المؤمن يراجع بالوعظ والدعوة إلى الله عز وجل ذلك الكافر القائل له {أَنَاْ أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا} حشمًا وأعوانًا، وقيل: أولادًا ذكورًا، وروي ذلك عن قتادة. ومقاتل، وأيد قابلته بأقل منك مالًا وولدًا وتخصيص الذكور لأنهم الذين ينفرون معه لمصالحه ومعاونته، وقيل: عشيرة ومن شأنهم أنهم ينفرون مع من هو منهم، واستدل بذلك على أنه لم يكن أخاه لأن العشيرة مشتركة بينهما وملتزم الاخوة لا يفسر بذلك، ونصب {مالاف ونفرًا} على التمييز وهو على ما قيل محول عن المبتدأ، والظاهر أن المراد من أفعل التفضيل معناه الحقيقي وحينئذٍ يرد بذلك ما في بعض الروايات من أن الأخ المؤمن بقي بعد التصدق اله فقيرًا محتاجًا فسأل أخاه الكافر ولم يعطه ووبخه على التصدق.


{وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا (35)}
{وَأَعَزُّ نَفَرًا وَدَخَلَ جَنَّتَهُ} أي كل ما هو جنة له يتمتع بها بناءًا على أن الإضافة للاستغراق والعموم فتفيد ما أفادته التثنية مع زيادة وهي الإشارة إلى أنه لا جنة له غير ذلك ولا حظ له في الجنة التي وعد المتقون وإلى هذا ذهب الزمخشري وهو معنى لطيف دق تصوره على أبي حيان فتعقبه بما تعقبه. واختار أن الإفراد لأن الدخول لا يمكن أن يكون في الجنتين معًا في وقت واحد وإنما يكون في واحدة واحدة وهو خال عما أشير إليه من النكتة.
وكذا ما قيل إن الإفراد لاتصال إحداهما بالأخرى. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي أنه قال في قوله تعالى: {جَعَلْنَا لاِحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ} [الكهف: 32] إلخ الجنة البستان فكان له بستان واحد وجدار واحد وكان بينهما نهر فلذلك كان جنتين وسماه سبحانه جنة من قبل الجدار المحيط به وهو كما ترى، والذي يدل عليه السياق والمحاورة أن المراد ودخل جنته مع صاحبه {وَهُوَ ظَالِمٌ لّنَفْسِهِ} جملة حالية أي وهو ضار لنفسه بكفره حيث عرضها للهلاك وعرض نعمتها للزوال أو واضع الشيء في غير موضعه حيث كان اللائق به الشكر والتواضع لا ما حكى عنه.
{قَالَ} استئناف مبني على سؤال نشأ من ذكر دخول جنته حال ظلمه لنفسه كأنه قيل فماذا قال إذ ذاك؟ فقيل قال: {مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ} أي تهلك وتفنى يقال باديبيد بيدا وبيودا وبيدودة إذا هلك {هذه} أي الجنة {أَبَدًا} أي طول الحياة فالمراد بالتأبيد طول المكث لا معناه المتبادر، وقيل يجوز أن يكون أراد ذلك لأنه لجهله وإنكاره قيام الساعة ظن عدم فناء نوعها وإن فنى كل شخص من أشجارها نحو ما يقوله الفلاسفة القائلون بقدم العالم في الحركات الفكلية وليس بشيء، وقيل ما قصد إلا أن هذه الجنة المشاهدة بشخصها لا تفنى على ما يقوله الفلاسفة على المشهور في الأفلاك أنفسها وكأن حب الدنيا والعجب بها غشي على عقله فقال ذلك وإلا فهو مما لا يقوله عاقل وهو مما لا يرتضيه فاضل، وقيل {هذه} إشارة إلى الأجرام العلوية والأجسام السفلية من السموات والأرض وأنواع المخلوقات أو إشارة إلى الدنيا والمآل واحد والظاهر ما تقدم، وأيًا ما كان فلعل هذا القول كان منه قابلة موعظة صاحبه وتذكيره بفناء جنتيه ونهيه عن الاغترار بهما وأمره بتحصيل الصالحات الباقيات، ولعله خوفه أيضًا بالساعة فقال له:


{وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا (36)}
ولعله خوفه أيضًا بالساعة فقال له: {وَمَا أَظُنُّ الساعة قَائِمَةً} أي كائنة فيما سيأتي فالقيام الذي هو من صفات الأجسام مجاز عن الكون والتحقق لكنه جار في العرف مجرى الحقيقة {وَلَئِن رُّدِدتُّ إلى رَبّى} بالبعث عند قيامها كما زعمت {لاجِدَنَّ} حينئذٍ {خَيْرًا مّنْهَا} أي من هذه الجنة.
وقرأ ابن الزبير. وزيد بن علي. وأبو بحرية. وأبو جعفر. وشيبة. وابن محيصن. وحميد. وابن مناذر ونافع. وابن كثير. وابن عامر {مِنْهُمَا} بضمير التثنية وكذا في مصاحف مكة والمدينة والشام أي من الجنتين {مُنْقَلَبًا} أي مرجعًا وعاقبة لفناء الأولى وبقاء الأخرى على زعمك، وهو تمييز محول من المبتدأ على ما نص عليه أبو حيان، ومدار هذا الطمع واليمين الفاجرة اعتقاد أنه تعالى إنما أولاه ما أولاه في الدنيا لاستحقاقه الذاتي وكرامته عليه سبحانه وهذا كقوله تعالى حكاية {وَلَئِن رُّجّعْتُ إلى رَبّى إِنَّ لِى عِندَهُ للحسنى} [فصلت: 50] ولم يدر أن ذلك استدراج، وكأنه لسبق ما يشق عليه فراقه وهي الجنة التي ظن أنها لا تبيد جاء هنا {رُّدِدتُّ} ولعدمه فيما سيأتي بعد إن شاء الله تعالى من آية حم المذكورة جاء {رُّجّعْتُ} [فصلت: 50] فليتأمل.

8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15